الدكتور عزمي عبد البديع : في ظلال رسالة الإمام الخطّابي الموسومة بـ(بيان إعجاز القرآن) الجزء الثاني

خزانة الأديب

الدكتور عزمي عبد البديع

في ظلال رسالة الإمام الخطّابي الموسومة بـ "بيان إعجاز القرآن" (2)
وفي سبيل تقريب أمر الإعجاز من جهة البلاغة كما استقر عند أهل العلم والنظر ذهب الخطّابي إلى أنّ أجناس الكلام مختلفة ومراتبها في نسبة التِّبْيان متفاوتة ودرجاتها في البلاغة متباينة غير متساوية.
فمن أجناس الكلام جنس يوصف بالرّصين الجزْل ومنه الفصيحُ القريبُ السهْل ومنه الجائز الطلْق الرسْل وهذه درجات الكلام الفاضل المحمود دون النوع الهجين المذموم والذي لا يوجد في القرآن شيء منه ألبتة.
واعتبر الخطّابي أنّ الضرْب الأول هو أعلى طبقات الكلام وأرفعه والضرب الثاني أوسطه وأقصده والثالث أدناه وأقربه.
كثير من الدارسين فهم من كلام الإمام الخطّابي أن القرآن الكريم تتفاوت درجات بلاغته وفصاحته فمنه البليغ والأبلغ وهذا يعني التفاوت في بناء الأسلوب القرآني وفق هذه القسمة التي فصّلها في شرح أجناس الكلام (الرصين الجزْل - الفصيح السهْل - الجائز الرسْل)
وراح هؤلاء الدارسون - منهم الشيخ عبدالكريم الخطيب - يدللون على هذا التفاوت بنصوص من القرآن الكريم بدعوى أنّ بعضها جزْل فخْم وبعضها سهْل عذْب.
وكلام الخطّابي لا يوحي بشيء مما ذهبوا إليه وإنما أراد - رحمه الله - أن يبيّن للناس سمات وأوصاف الكلام الفاضل المحمود فلما كانت أجناس الكلام متفاوتة وفق اختلاف النعوت والأوصاف المذكورة لأنها صفات متضادة في ذاتها فيتعذر اجتماعها في كلام واحد من البشر.
وبين يديْك كلام الخطّابي - رحمه الله - حتى يستبين سبيل الحق والصواب يقول:
"فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصّة وأخذت من كل نوع من أنواعه شُعبة فامتزج لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادين لأن العذوبة نتاج السهولة والجزالة والمتانة في الكلام تعالجان نوعا من الوُعورة".
"فكان اجتماع الأمرين في نظْمه مع نُبُوّ كل واحد منهما على الآخر فضيلة خُصّ بها القرآن الكريم ليكون آية بينة لنبيّه - صلى الله عليه وسلم - ودلالة له على صحّة ما دعا إليه من أمر دينه".
هذاالكلام واضح في محاولة تقريب فكرة الإعجاز من خلال التميّز والتفرّد فالقرآن الكريم توصف آياته بالسلاسة والعذوبة والفخامة والجزالة في آن واحد وذلك مما يتعذّر تحققه في كلام البشر لاستحالة اجتماع النقيضين أعنى (السهولة والعُذوبة والفخامة والجزالة) وتلْكَ خصوصية تفرّد بها النص القرآني فكان معجزا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Smartwatch

Random Products