الدكتور مفرح سعفان : الإضافة وجه آخر للعربية



خزانة الأديب :

الإضافة وجه آخر للعربية
ذهب النحويون العرب القدماء إلى أن الإضافة الحقيقية في اللغة العربية لا تخرج عن أحد
معنيين اثنين لا ثالث لهما.
فإما أن تكون الإضافة بمعنى ( اللام) ، فتفيد
الملكية ، مثل ( كتاب زيد) أي ( كتاب لزيد).

وإما أن تكون بمعنى (من) فتكون بيانية،
مثل ( خاتم ذهب) أي ( خاتم من ذهب)
و ( ثوب حرير) أي ( ثوب من حرير).
وتوسع المتأخرون من النحاة فأجازوا أن تكون
الإضافة بمعنى ( في) فتفيد الظرفية.
وقد تكون الظرفية زمانية مثل قوله سبحانه :
" بل مكر الليل والنهار " أي مكركم في الليل
والنهار ".
وقد تكون الظرفية مكانية مثل تركيب
( يا صاحبي السجن) أي: ياصاحبي في السجن.
والذي أراه أن حصر معنى الإضافة في هذه
الأحرف الثلاثة يعد تضييقا لما وسعه الله،
وتقييدا لهذه الظاهرة اللغوية التي لا تقف مرونتها عند حد.
فالإضافة قد تحتمل معنى أي حرف من حروف
الجر - بخلاف اللام ومن وفي - حسبما يقتضي
السياق..
فقد تكون الإضافة مثلا بمعنى ( إلى)،
مثل تركيب ( رسولكم ) في قوله سبحانه :
" قالوا إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ".
فقد فسر السياق معنى الإضافة في ( رسولكم)
بقوله ( الذي أرسل إليكم).
وتركيب ( داعي الله) في قوله تعالى :
" ياقومنا أجيبوا داعي الله. "
أي : أجيبوا الداعي إلى الله.
وقد تكون الإضافة بمعنى الباء، كتركيب ( لمح البصر) في قوله تعالى: " وما أمر الساعة إلا
كلمح البصر أو هو أقرب ". فقد فسره السياق
في موضع آخر بالباء، وذلك في قوله : ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر).
وقد تكون الإضافة بمعنى على، مثل تركيب
( مطر المنذرين) في قوله عز شأنه :
" وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين "
أي المطر المنزل عليهم.
وتركيب ( توكله) في قوله - صلى الله عليه
وآله وسلم - :" لو توكلتم على الله حق توكله
لرزقكم كما يرزق الطير.. ... " أي : حق التوكل عليه سبحانه.
ونقول (أمير المؤمنين) أي على المؤمنين.
ونقول ( والي مصر) أي: الوالي على مصر.
وفي العربية المعاصرة نقول:
( مشرف الحفل)أي: المشرف عليه.
ومشرف الرحلة أي : المشرف عليها.
وقد تكون الإضافة بمعنى عن. حط
فعندنا في علم النحو مصطلح
( نائب الفاعل) أي النائب عن الفاعل.
ونقول في العربية المعاصرة :
( وكيل النائب العام) أي: الوكيل عنه.
( وكيل المدعي) أي: الوكيل عنه.
و( وكيل العروس) أي: الوكيل عنها.
وقد تكون الإضافة بمعنى كاف التشبيه،
كتركيب ( تسمية الأنثى) في قوله تعالى :
" ليسمون الملائكة تسمية الأنثى "
أي: تسمية مثل تسميتهم الأنثى.
وتركيب ( شرب الهيم) في قوله تعالى:
" فشاربون شرب الهيم"
أي: فشاربون شربا مثل شرب الهيم.
ولابد من هذا التقدير، لأنه لا يمكن أن يفعل الإنسان فعل غيره على وجه الحقيقة.
وقد تكون الإضافة بمعنى واو العطف،
قال تعالى: إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم "
ثم قال في موضع آخر: إن المتقين في جنات ونعيم ".
وقد تتضمن الإضافة معنى ظرف المكان ( بين)
قال سبحانه: قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين " أي بعد ما بين المشرقين.
وقد تتضمن معنى الظرف واسم آخر معه.
قال عز من قائل: فأنساه الشيطان ذكر ربه "
أي: ذكر يوسف عند ربه.
فقبلها يقول تعالى على لسان يوسف - عليه السلام -: اذكرني عند ربك ".
وقد تتضمن الإضافة معنى فعل محذوف، أو جملة فعلية محذوفة ،مثل تركيب (صاعقة عاد) في قوله سبحانه :
" فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد "
أي مثل الصاعقة التي أخذت عادا، حيث قال سبحانه في موضع آخر عنهم:
" فأخذتهم الصاعقة ".
ونسمع الآن من يقول: " أمة اقرأ لا تقرأ ".
أي الأمة التي نزل عليها قوله تعالى: اقرأ...
ويرتقي جمال الإضافة في العربية حتى نجد الاسم مضافا إلى نفسه في مظهر أسلوبي رائع بديع ، مثلما نلحظ في تركيب ( شدتها) في قول أبي تمام في بيته الرائع الجميل:
وما من شدة إلا سيأتي
لها من بعد شدتها رخاء
وقد رفض النحاة القدماء هذا الشكل الإضافي،
المتمثل في إضافة الشيء إلى نفسه، لأنه يتعارض
مع منطق العقل. ونسوا - رحمهم الله - أن منطق
اللغة فوق منطق العقل، فمنطق العقل محدود،
ومنطق اللغة لاتحده حدود.
لقد عد النحاة الإضافة بابا من أبواب النحو، والواقع أنها ليست مجرد باب من أبواب النحو،
بل هي وجه آخر لتراكيب العربية،
أو قل هي وجه آخر للعربية.
وبالله التوفيق،، ،،
د. / مفرح السيد سعفان
كلية الآداب جامعة المنوفية

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Smartwatch

Random Products