الدكتور خالد فهمي : كأن القرآن يتنزل من جديد (الحلقة الثانية عشر)

خزانة الأديب :
كأن القرآن يتنزل من جديد (موسم 1440/2019 )
يقول الوهاب الكريم :
وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(58) .
هذه آية برهان على تجاوز كثير من التفصيلات الصغرى التي أحاطت بيوسف فيما بين زمان الأزمة والقحط إلى زمان الرخاء واشتهار مثال الحكم الرشيد ووصول خبره إلى الآفاق.
الآية تطوي جملة طويلة من الوقت.
وهذا الطي الذي يسميه نفر من المفسرين بالاختصار المعجز أثمر يانعا.
هذا الاختصار معين على رحابة التخيل.
ومعين على نمط المتعة التي تتحقق من منح المتلقي القدرة على المشاركة في ملء الفراغات وتخليها من غير مضرة على دينه .
ومعين على الشفقة بنفس المتلقي باختصار زمان الجدب والشدة والجوع طلبا لعافية النفس المستقبلة للوحي ودعما للروح الإيجابية .
وهو بعض آثار حرص الكتاب العزيز على الابتعاد عن مناطق الكآبة والحزن وإيثار مناطق البهجة والفرح الهادئ.
وجاء إخوة يوسف : مفتتح يعالن بنجاح خطة الإدارة التي انتهجها يوسف بعلمه وإيمانه وحسن تدبيره وحسن إدارة الموارد وحسن سياسة الناس.
وهو مفتتح دال على تجاوز النموذج إلى خارج الإقليم المحلي.
وهو مفتتح دال على أن مشاريع النهوض المنبثقة عن الوحي مغرية جاذبة.
وهو مفتتح كاشف عن توق الإنسانية لأحلام الرخاء. وهو مفتتح دال على نمط من تعلق الناس بنماذج العدل.
وهو مفتتح دال على أن هذه البلد يمكنها أن تصدر نماذج حضارية قادرة على أن تحقق للبلدان ما به تجاوز محنها وأزماتها الداخلية.
(فعرفهم ): جملة مشحونة بلوازم كثيرة.
فعرفهم: جملة طوت سنوات كثيرة.
وردت يوسف إلى مركز المحنة التي طوحت به بعيدا. وجملة صنعت نكوصا عجيبا خاطفا طوى سنوات التحول العظيم في حياة يوسف وحياة المصريين. والجملة دالة على قدرات عقلية وذهنية باذخة ربما تنضاف إلى بقية الملكات لتفسر لنا قدرة يوسف العقلية.
والجملة دالة على عدم تغير جوهري في وضع القادمين.
ودالة على نمط من الثبات والتراجع في حياة إخوة يوسف بحيث إن هيئاتهم القديمة لم يصبها اي تغير. ودالة على استثمار العلامات المادية في التحليل ومعرفة انتماءات الخلق.
وربما دعمت شرعية الدرس السيميائي المعاصر.
وربما أعانت على استثمار دراسات العلامات غير اللغوية في مجالات المعرفة المتنوعة.
(وهم له منكرون): جملة لخصت التطور الكبير الذي لحق بيوسف.
والتطور ماثل في جسمه بسبب تضييعه صغيرا. والتطور الذي أصاب هديه الظاهر ملبسا وزينة. والتطور المذهل في الوضع الاجتماعي على غير المتوقع من مصير غلام صغير تناولته أيادي النخاسين قديما.
كيف يتصور بلوغه سدة الحكم لبلد هي المركز في العالم القديم؟!
الآية مثال على الآثار الرائعة لاستثمار التمكين بحقه، والسير في الناس بالعدل والرحمة.
الآية نص مدهش في أن إدارة الأطهار المؤمنين المؤهلين تتحول بالدول من القاع إلى القمة.
ومن الجوع إلى الوفرة والفائض.
ومن زمان الأزمة إلى زمان المنح. ومن الرخاوة الإدارية إلى الضبط الإداري الرحيم.
ومن المحنة إلى البهجة.
ودال على التحول بدولة من مأزومة إلى إلى دولة مثال تثير المخيال العالمي.
ومن دولة محلية غارقة في الأزمات والجوع والفساد إلى دولة قائدة ملهمة.
وجاء إخوة يوسف فعرفهم وهم له منكرون : آية عبقرية لخصت الفارق بين حكومة المجون والفسود وحكومة الكفاءة والإيمان والضبط والعدل وتنمية الموارد واستلهام عدل الله ورحمته في سياسة الخلق.
الأستاذ الدكتور خالد فهمي
أستاذ علم اللغة بكلية الآداب جامعة المنوفية

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Smartwatch

Random Products