خزانة الأديب :
كأن القرآن يتنزل من جديد (موسم 1440/2019 )
يقول الهادي إلى سواء السبيل سبحانه :هذه آية منهج وحصاد معا.
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ
وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) .
الآية كاشفة عن أثر المحضن التربوي التأسيسي في استقامة النفس.
والآية كاشفة عن أثر النور الساري في الأعراق في فطنة العقل ونقاء الضمير.
الآية تفتتح أمرها بإخبار له سمت حجاجي.
(واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ):إخبار رجل من جوف المحنة في قاع السجن.
والمحنة في حاق الأنقياء مصنع صقل وزيادة تطهير وبريق.
والآية إخبار يتذرع به إلى دعوة رفقاء السجن.
والآية نمط من شكر النعمة عمليا.
والآية تعيد ترتيب الأشياء فتجعل الإيمان بالله والتهدي إلى طريقه هي قمة النعم التي تغيب أمامها كل محنة فلا مجال للمقارنة ولا تكاد تذكر.
والاتباع : قرار إرادة بدليل ضمير المتكلم (ت). والاتباع قرار اقتناع.
والاتباع قرار يردفه التعليل.
والتعليل مستتر في ذكر الآباء الأنبياء النبلاء.
الآباء في الآية تمثيل لاحصر.
والآباء في الآية استجابة لقوانين المروءة.
واستجابة لنعمة الأصل الذي انحدر منه.
والآباء برهان الشكر.
والآباء استثمار للمناخ الطاهر النقي الذي أحاط بالفرع النبيل.
ويزداد الأمر وضوحا مع المقطع القائل :(ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ).نظم هذا المقطع من الآية يستثمر تركيب الجحد الذي هو أعلى درجات النفي والإنكار .
المقطع ينفي إمكان التورط في الإشراك بالله.
وهذا النفي مستند إلى محددات مترافدة يأخذ بعضها برقاب بعض.
عدم الإمكان مرجعه لترافد الأصول المؤمنة الحاضنة. وعدم الإمكان مرجعه إلى المروءة الوافرة.
وعدم الإمكان مرجعه إلى النعم الربانية المتجلية. وعدم الإمكان مرجعه إلى تصاغر الأشياء على فرض كثرتها وعظمتها أمام عظمة الله تعالى.
ثم يختتم العبد المؤمن النبيل النبي قائمة المحددات المانعة من إمكان الإشراك بالله بالسبب أو المحدد الأساس وهو توفيق الله تعالى لعبده بهدايته للإيمان وهو ما نطق به جزء الآية (ذلك فضل الله علينا وعلى الناس ).
ذلك :إشارة بالغة الوضوح إلى التوحيد والإيمان.
وذلك إشارة إلى نعمة التهدي لاستثمار الأصول النقية الطاهرة التي انحدر منها.
وذلك :تلخيص عبقري لكل معاني الفضل الرباني الذي يغمر الحياة الإنسانية في كل طبقاتها وشمولها للناس كافة.
وتختتم الآية أمرها بما يشبه التفسير لحال الذين تنكبوا الطريق وانحرفوا عن مسارات الحق.
ولكن أكثر الناس لا يشكرون :
الاستدراك في بداية هذا المقطع استباق إلى ما يشبه الاستئناف إحاطة بتحليل ظاهرة الكفر وما يدور في فلكها.
الآية تقرر أن الكفر : يبدأ من نكران النعم.
وتضخم الذات الكافرة بلا مسوغ.
والغرور البشري البغيض.
والافتتان ببعض الملكات والمهارات بمعزل عمن وهبها وجبل نفوس أصحابها عليها.
الآية تدمغ الكبر البغيض الذي مدخله نكران الفضل. والتعامي عن النعمة. والتكبر على شكر المنعم. والاستطالة بالنعمة على المنعم. ومبارزة المانح العظيم بما منحه للإنسان المغرور.
الآية نص بديع كاشف عن ضرورة التنبه إلى بذور كفران الشكر المفضي إلى التورط في الكفر بالله.
وهي نص في أهمية التنبه إلى هذه الأنماط التي تغمط الحق في عمليات بناء الدول والمؤسسات تهديا لإقامتها على أكتاف الشاكرين الذين يتحركون في الحياة بوقود الامتنان لفضل الله.
الأستاذ الدكتور خالد فهمي
أستاذ علم اللغة بكلية الآداب جامعة المنوفية