الدكتور خالد فهمي : كأن القرآن يتنزل من جديد (الحلقة التاسعة عشر)

خزانة الأديب :
كأن القرآن يتنزل من جديد (موسم 1440/2019 )

يقول المعطي الوهاب سبحانه:
قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) .
هذه آية تنطق برحمة الأبوة.
وباستجابة الأبوة. وبعطف الأبوة.
الآية تطوي تاريخا مريرا من أحزان الأبوة وآلامها. وتطوي تاريخا ممضا من حرقة الأبوة على فقدان الولد الصغير الحبيب وحرقة الحرمان منه وحرقة ذهاب النفس على ذهابه.
الآية تقرر أن الرحمة التي أودعها الله في قلوب الآباء كنز واجب التثمير وكنز قادر على إعادة الأولاد إلى الطريق السوية إذا جرفتهم طريق الغواية والتيه.
قال سوف استفغر لكم ربي: مفتتح الآية يتحدث عن وعد بقبول اعتذار المخطئين إذا صح منهم العزم على التوبة.
وإذا تبين منهم اكتشاف أخطائهم.
والانكسار لله توبة وأوبة.
وإذا صح منهم الاعتراف بحكمة الله في قدره.
وإذا صح منهم التسليم لله بما كان من مقدوره في قسمة رحمته على خلقه.
مفتتح الآية نص في تأني الشيوخ.
ودرس في ضرورة التأتي للشيء من أحسن زمان يناسبه.
وهذا كله مستكن في بنية تأجيل الاستغفار بقرينة:(سوف /أستغفر ).
الآية تعكس تمهل الشيوخ.
بعد آية تعكس حماسة الشباب البادية في ( اليوم يغفر الله لكم ) من دون تأجيل.
الآية مع سابقة عليها تقرر أن إدارة الحياة يلزمها تعاون الخبرة والحماسة.
ويلزمها تأني الحكماء وإقدام الأبرياء من الشباب.
الآية تعالن بأن الأمة تنهض بأجيال أبنائها جميعا. وتنهض بشيوع نمط من التحاور بين أجيالها جميعا. وتتقدم بتوافر الثقة بين أجيالها جميعا.
وتستقيم في دروب الحياة والحضارة بالتغافر بين أجيالها جميعا.
وتمضي قدما بتقدير أجيالها الشابة لحكمة أجيالها الكبيرة ورصيدها من العلم والتجربة والثروة.
وترتقي ببذل العلم والحكمة والثروة من أجيال شيوخها لأجيال شبابها.
وتشق طريقها إلى التحضر بمد الشيوخ اليد وإقالة العثرة التي يتورط فيها الشباب لغرارتهم .
وتعظم مقدراتها بفزع الأبناء إلى الآباء وطلب العون منهم إذا ضاقت سبل الحياة واستغلقت مسارات المسير.
إنه كان غفورا رحيما :تذييل تحنن من طريق تنزبه الله والاعتراف بمنه وفضله.
والإقرار بعفوه ورحمته.
والتذييل تعليم وتذكير.
والتذييل تعليل لما جاء في الوعد بالاستغفار بأنه توجه لمن يقدر.
والتذييل كشف عن علم الأولياء بالرب.
والتذييل إشارة ضابط الوعد.
وإشارة إلى أن جوهر رحمة الأبوة الملتزمة موصول بجوهر رحمة الله.
الآية درس عبقري في قبول العائدين.
ومد يد العون للعائدين.
والبذل العائدين. ورحمة العائدين.
والفرحة العملية بالعائدين.
الآية درس عبقري في أن الأبوة الرحيمة احتواء.
وفي أن البنوة الرشيدة استواء.
ودرس عبقري في أن الأبوة منارة.
وأن البنوة الرشيدة سفينة تهتدي في سيرها بعلامات المنارة.
الآية تعالن بأن الأبوة الحقيقية قلعة للحماية.
وأن البنوة المتواضعة لواذ من هجوم الحماية بقلعة الأبوة الحصينة.


الأستاذ الدكتور خالد فهمي
أستاذ علم اللغة بكلية الآداب جامعة المنوفية

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Smartwatch

Random Products