خزانة الأديب :
كأن القرآن يتنزل من جديد (موسم 1440/2019 )
<![endif]-->يقول المالك سبحانه :
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57).
جاءت الآية آخذة برقاب ماقبلها التي قصت حكاية التمكين للنموذج البريء الطاهر المؤمن الذي حصل مادة التزكية في نفسه وحصل مادة ما به عمران الوجود من حوله.
جاءت الآية لتحصن تمكين الدنيا من مادة الغرور البشري الذي يعتري كثيرا من القطاعات التي يمكن لها ثم هي تنسى القاعدة التي تجلب رضا الله وتمكينه لعباده.
الآية مادة صيانة للتمكين في الأرض من حيث تقرر أن شرط بقاء التمكين هو استصحاب ذكر الآخرة وقيومية الله تعالى.
والآية مادة صيانة للتمكين بمنع الغرور البشري بالمنجز الدنيوي بوضع الإنسان المرشح للتورط في غرور الحضارة وغرور الإنجاز وغرور الاستطالة بأن الخير الذي يجلبه التمكين لا يقترب من خير الآخرة. إن خير الآخرة يعلو ويسمو في الزمان والكم والكيف. هذا صوت الآية الجليلة.
مفتتح الآية جاء مدججا بوسائل مؤكدة كثيرة.
مفتتح بلام الابتداء ومشفوع بالفعل الماضي وهو أمر مقصود في النظم لتجاوز فجوة الزمان الفاصل بين زمان الدنيا وزمان الآخرة.
وسوقا لسحائب الطمأنينة في اليقين في حصول خيرية الأجر الأخروي لمن ضبط دنياه على شروط الإيمان والتقوى والنموذج المعرفي الإسلامي المسكون بمادة التوحيد الإيجابي.
ومفتتح الآية يعلو بخير الآخرة على كل خير سواه؛ليحفز النشاط الإنساني الإيماني لعمارة الدنيا بوصفها مادة تحصيل خير الآخرة.
الآية رسالة بالغة الشفافية لمن يهونون أمر الدنيا والدليل أن مفتتح الآية نسبها إلى الخير. والآية نص في الإنكار على الذين يزينون للناس الفقر والمسكنة. والآية ترقى بالدنيا عندما تجعل خيرها هو باب الوصول لخير الدنيا الذي يعلو على خيرها لكنه غير منبت عنه ولا متجاوز له ولا معزول عن تربة استنباته فيها.
الآية تقرر أن تحصيل خير الآخرة المتعالي هو الإيمان الأكيد الراسخ المستمر.
والآية حريصة على الاجتماع على الإيمان بقرينة :الذين /وواو الجماعة في (آمنوا /وكانوا يتقون ).
والآية بهذا توشك أن تقرر أن صيانة التمكين سبيله الوحدة. وسبيله الاجتماع. وسبيله الاصطفاف. وسبيله تكوين الإيمان الجمعي .وسبيله تجاوز الاستقطاب. وسبيله تجاوز التشرذم. وسبيله التعاون. وسبيله دعم صناعة الاجتماع على البر والتقوى. وسبيله الانتصار الجمعي للنموذج المعرفي التوحيدي بقرينة آمنوا. والتزكوي بقرينة يتقون .والعمراني بقرينة الخير الدنيوي الذي هو عربة التوصيل للخير الأخروي.
الآية قانون كلي كوني يتجاوز عمله الزمان الماضي بقرينة الفعل المضارع يتقون الذي يحيل الزمان إلى الزمان الممتد المستمر المتواصل الحلقات.
خير الآخرة الآخرة ينمو في رحم خير الدنيا ويتغذى على مادته.
صيانة الحضارة تتمثل من رعاية الآخرة.
هذا هو الصوت النبيل الذي ينساب من نظم هذه الآية الجليلة.
الأستاذ الدكتور خالد فهمي
أستاذ علم اللغة بكلية الآداب جامعة المنوفية