خزانة الأديب :
كأن القرآن يتنزل من جديد (موسم 1440/2019 )
يقول المعز سبحانه :هذه آية جليلة جدا.
وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56).
وهي نص في الأمل.
والأمل باب عبادة عظيم.
ومقصد قرآني متواتر الظهور في نهوض الجماعة المسلمة على امتداد التاريخ.
الآية تطوي الأحداث لتصل إلى قاعدة جليلة كونية في بناء الذات وبناء الأمم وبناء الدول وبناء الحضارات.
(وكذلك) في مفتتح الآية : إعلان ساطع عن انقضاء زمان المحنة. وتجاوز عقبة السجن الظالم.
وهي إعلان عن تجلي الرحمة بإسقاط الآلام والضيق.
(ومكنا ليوسف في الأرض) :
حكاية تاريخ لمآلات الصبر.
وحكاية تاريخ لمآلات الرضا عن الله.
وحكاية لمآلات القيام بواجب هداية الخلق ولو في أضيق الظروف والأحوال.
وحكاية لمآلات استثمار المحنة بصورة إيجابية. وحكاية لمآلات حصاد المسئولية الأخلاقية.
وحكاية لمآلات التعفف.
وحكاية لمآلات الحركة على خلفية إدارك الواقع العملي.
وحكاية لمآلات إدارة الذات على هدي الإدارك الواعي للواقع ونظام الحكم وطبيعته والنظام الاجتماعي ومطالبه.
ثم هي حكاية لمآلات بناء العلاقات بين الناس واستثمار مواقعهم في الحياة.
وهي حكاية لمآلات توثيق العرى مع الحاضنة الاجتماعية التي هي الجماهير العريضة المتنوعة في كل طبقاتها.
ثم هي حكاية لمآلات خدمة الوطن في أحلك الظروف وأضيقها
عندما تهجم عليه الهواجم والأزمات.
التمكين مبذول لكل يوسف؛ ذلك أن شخوص الكتاب العزيز تستحيل مناهج ولأنها ليست مقصودة بأعيانها .
التمكين تهيئة الطريق إلى إدارة الدولة.
والتمكين تهيئة القلوب لقبول إدارة الدولة.
والتمكين توفيق من الله لإدارة موارد الدولة. والتمكين تذليل الطريق لتولية الكفاءات المخلصة مقاليد إدارة الدولة وسياسة الناس.
والتمكين حسن اختيار الحكومات.
والتمكين توفيق الله للأمة في التخطيط وإدارة مواردها وقبول الجماهير والصبر منها على إدارة المراحل الانتقالية.
الآية تختتم أمرها ببيان طريق التمكين فتعالن بأن التمكين حصاد إحسان الإنسان مقرونا بتنزل الرحمة من الله.
الآية تعالن بأن التمكين صناعة من مواد الإحسان الذي هو العفة والطهر والأمانة والعلم والشفقة بالخلق والإيجابية في كل ظرف والرضا عن الله.
والآية تعالن بأن التمكين صناعة ممكنة في كل عصر من مادة استحقاق رحمة الرب بعباده ما داموا أهل عفاف وعلم وخبرة وإيجابية وإقبال على الناس وتواضع لهم وتقدير لمواهبم واستثمار للعلاقات مع تيارات الناس المختلفة وعدم إقصاء لأحد على خلفية طبقية أو أيديولوجية.
الآية باب وسيع في أمل التغيير والانتقال والنهوض.
الأستاذ الدكتور خالد فهمي
أستاذ علم اللغة بكلية الآداب جامعة المنوفية