د. مفرح سعفان: من متشابهات القرآن (بريئون وبرءاء)

خزانة الأديب :


من متشابهات القرآن :

 ٢ - بريئون وبرءاء
قد يتوهم المرء أن هاتين الصيغتين في جمع كلمة ( بريء) بمعنى واحد، ولكن السياق القرآني قد فرق بينهما تفرقة دلالية رائعة.
فقد استعمل القرآن الكريم صيغة الجمع السالم ( بريئون) عندما كانت البراءة صفة مؤقتة وغير دائمة في الموصوف. إذ وردت على لسان رسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يصف براءة كفار مكة من الإسلام، وذلك في قوله تعالى ( في سورة يونس) :
" أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ".
ونحن نعلم أن أهل مكة - بعد ذلك - قد دخلوا جميعا في دين الله أفواجا يوم فتح مكة.


واستعمل القرآن الكريم صيغة جمع التكسير ( برءاء) عندما كانت صفة البراءة دائمة وملازمة للموصوف بها ملازمة أبدية، ولا يمكن أن تنفك عنه.
إذ وردت على لسان إبراهيم عليه السلام والذين
آمنوا معه تصف براءتهم من الكفر ، وهي بلا أدنى
شك براءة أبدية لاتنفك عنهم أبدا.
حيث قال تعالى عنهم ( في سورة الممتحنة /٤) :
"إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من
دون الله".
مما يدفعنا إلى القول بأن جمع التكسير أقوى وأبلغ من الجمع السالم في الدلالة على مدى
ملازمة الصفة للموصوف.
ومما يؤكد لنا ذلك أننا نلحظ هذا الفرق الدلالي
الجمالي بين هاتين الصيغتين في أمثلة متعددة أخرى.
فقد استعمل السياق القرآني صيغة جمع المؤنث السالم ( راسيات) في جمع ( راسية) في قوله
تعالى : " وقدور راسيات"، لأن صفة الرسو
هنا في هذه القدور مؤقتة وغير أبدية.
ولكن لما كانت صفة الرسو في الجبال صفة راسخة ودائمة وملازمة لها ملازمة أبدية فقد استعمل القرآن في جمعها صيغة جمع التكسير ( رواسي) ، كما في قوله سبحانه:
" وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي ... ".
وقوله: " وجعلنا فيها رواسي شامخات..... ".
فلم تجمع الجبال قط على صيغة الجمع السالم ( راسيات) في القرآن الكريم لهذا السبب الدلالي.
وقال تعالى في وصف أهل الكهف: " وتحسبهم أيقاظا وهم رقود " ولم يقل: ( يقظين) مثل ( فرحين).
والله أعلم.
وصدق الحق إذ يقول :
"أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ".


إرسال تعليق

أحدث أقدم

Smartwatch

Random Products