خزانة الأديب : الحلقة الثالثة من حكايات الشاعر الدكتور إيهاب عبد السلام (من قلب دسيا) :
أجدتُ لعبة الشطرنج في سن مبكرة، فكنت طيلة المرحلة الابتدائية منافسًا شرسًا لمن هم أكبر مني بحوالي عشر سنوات مثل أخَوَيّ عبد البديع وأنيس، ورفاقهما، وكذلك أساتذتي في المرحلة الابتدائية، فكنت أكسبهم، ولا يغلبونني إلا بصعوبة، فقد تزامنَّا جميعا في معرفة اللعبة، لم يسبقوني إليها فتتراكم لديهم الخبرة، ولم أكن أكثر ذكاء منهم بل لأنني في تلك السن كنت أخلَى بالًا، فليس عندي أية هموم أو تساؤلات في الحياة، فينصبّ اهتمامي كله على اللعبة، بينما الأكبر مني قد يشرد به ذهنه مفكرًا فيما هو أهم من اللعب... لذلك كنت كثيرا ما أفوز لهذه الأسباب.
وكنت كلما تقدمت بي السن وعلمت عن الحياة ما لم أكن أعلم كان ذلك على حساب التركيز في الشطرنج، وعلى حساب الحرص على الفوز فيه، فقد تفتحت الحياة عن ميادين أهم لا ينبغي أن ينهزم الإنسان فيها، أما الهزيمة في الشطرنج فما أهونها من هزيمة...
وكان أن زارنا في منزلنا وأنا في الصف الأول الإعدادي أستاذي في الابتدائي الأستاذ لبيب عاشور -عليه رحمة الله تعالى- وكان صديقا لأخي عبد البديع، ولم يكن من أبناء قريتنا، ولم أكن أعرفه إلا أستاذا لي، وبينما كان الأستاذ لبيب في المندرة، ناداني أخي لأسلم عليه.
سلمت عليه في خجل شديد، فلم نكن في ذلك العهد نتخيل مقابلة أساتذتنا خارج المدرسة، ومجرد رؤيتهم خارجها هو حدث عظيم.
فوجئت بأن الأستاذ لبيب يطلب مني إحضار الشطرنج ليلاعبني، وخرجت لإحضاره، وذلك في حضور ثلاثة من رفاقه.
خرج ورائي أخي عبد البديع... وفي الصالة الداخلية أمام حجرة المعيشة قال لي بصوت هامس: (خلّ بالك لبيب بيلعب كويس جدًّا جدًّا فاحذره ولا تخجل والعب بندية).
أحسست بأن أخي يتمنى أن أفوز، وربما تحدى الأستاذ لبيب في ذلك، فاستحضرت كامل ذهني ودخلت بالشطرنج إليهم.
