الشاعر الدكتور إيهاب عبد السلام يكتب : من قلب دسيا (2)


خزانة الأديب : الحلقة الثانية من حكايات الشاعر الدكتور إيهاب عبد السلام (من قلب دسيا) :

وضعت حرب أكتوبر المجيدة أوزارها، وعاد عمي (فكيه) منهيا خدمته بعد سنوات قضاها في الجيش، كان عمي في مكتب الأفراد حيث كان من القارئين الكاتبين.
وكنت آنذاك ابن خمس سنوات ونيف، جلس عمي يتحدث مع أبي -رحمهما الله تعالى- فكان مما قاله: إن في مصر -وكان يُطلق على القاهرة مصر- لعبة يُقال لها: (الشطرنج) لا تعتمد على الحظ مطلقا، وإنما تعتمد على الذكاء وحسن التخطيط، وأخذ عمي يشرح لأبي مكونات تلك اللعبة وكيفية لعبها.
ولم يكن أبي يهتم باللعب، ولم يكن لديه وقت لممارسة أية تسلية، فكان مشغولا بعمله طوال الوقت، ولكنه كان حريصًا أيما حرص على معرفة كل جديد وإجادته ما أمكن...
كانت وسيلة المواصلات هي الأقدام أو المطايا وكلها من الحمير، ولا أظن أن مركز المحمودية الذي يبعد أكثر من ستة كيلو مترات عن قريتنا كان به شطرنج آنذاك...
لم يتوانَ أبي فطلب من عمي إحضار قطعة من الطين تشبه تماما الصلصال، وصنع مع عمي قطع الشطرنج بتفاصيل مبسطة، ولا أزال أتذكر البيادق (العساكر) وهي على شكل مخروط أو قمع، ثم أحضر أبي قطعة قماش بيضاء وقصها إلى قصاصات صغيرة، ثم غرس في رأس فريق من قطع الشطرنج تلك القصاصات بما يشبه الرايات لتميزه عن الفريق الآخر...
وريثما جف الطين وتماسك كانت المسطرة الخشبية والقلم الكوبيا وورقة كبيرة قد أحضرت، فخطط أبي اللوحة بدقة فائقة، وظلل نصف الخانات...
وجيءَ بالشطرنج الطيني وصُفّ على الرقعة.
وبدأ عمي يشرح عمليا ما حكاه شفاها.
لم يكن عمي يجيد اللعبة ولكنه يعرفها، عرفها أبي وفهمها وأجادها ولعب دورا، ثم هجرها تماما...
كل ذلك وأنا بينهما أسمع وأرى، ولم أكمل عامي السادس بعد، فتلقفت لعبتي الطينية التي شهدت تشكيلها، وأجدت لعبها...
لم يطل مقام أبي في الحياة الدنيا بعد ذلك أكثر من عام، وعندما أكملت أنا عامي الثامن عمدت إلى صفيحة منشار وقطع خشب صغيرة ونحتّ الشطرنج بيدي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Smartwatch

Random Products