قراءة في بيت شعري .. الدكتور عزمي عبد البديع يكتب : فلو أنّ قَوْمِي أَنْطقَتنِي رِماحُهُم!
ولم يكن الشعر في حياة العرب الأوائل ضربا من الترف واللهو واللعب بل كان الشاعر لسان حال قبيلته معنيا بأمرها مشغولا بهمومها مهتما بقضاياها يفتخر بعزها ويعتز بمجدها ويباهي بقوة بأسها وامتداد سلطانها وتؤرقه مصائبها وتفزعه مآسيها.
وإذا كان الشاعر في القديم هو لسان حال القبيلة وصوتها الذي تتكلم به فإن الشاعر في كل عصر هو لسان حال الأمة بأسرها يقوى بقوتها ويضعف بضعفها وها هو شاعرنا يبدع قصيدة على نغم الطويل ختمها بهذا البيت العظيم:
فَلَو أنّ قَوْمِي أَنْطقَتنِي رِماحُهُم** نَطَقْتُ ولكنّ الرّماحَ أَجَرّتِ
طارد ذاكرتي هذا البيت من الشعر حينا من الزمان ودعاني للكتابة عنه وأنا أجول بفكري في أحوال الأمّة المكلومة في طول البلاد وعَرضها وقد انتهى بها الحال إلى هذا الحدّ من الضغف والعجز والهوان والصّغَار.
يبدو أن الشاعر قد ضاق ذرعا بقومه فلم يمدحهم بالفروسية والشجاعة لكنه يقول إنّ قومه خذلوه في المعارك ولم يبلوا في واحدة منها بلاء حسنا يستحقون عليه المدح والثناء.
وقوله (ولكنّ الرماح أجرّتِ) عبارة بليغة في تصوير المعنى وقد بنى كلامه هنا على إيجاز الحذف أعني حذف المفعول به وأصل الكلام على ما يقتضيه الظاهر أن يقول (ولكنّ الرماح أَجَرّتْنِي) من جرّ لسان الفصيل -ولد الناقة- أي شقه وخزمه حتى يمتنع عن الرضاع عَنْوة.
والمعنى أنّ قومه هؤلاء ليس فيهم فرسان ولا رماح أصلا وأن رِماحهم أمسكت لسانه فأقعدته عن قول الشعر كما يٌشق لسان الفصيل فيمتنع عن الرضاع من أمه وفي التعبير بهذه الصورة كناية بليغة عن ضعف قومه وهوانهم في الحرب والنزال ومقارعة الخطوب.
وبناء لغة الشعر على تنزيل الفعل المتعدي منزلة الفعل اللازم فقال (أجرّتِ) ولم يقل أجرّتني وهو أقوى في المعنى وأبلغ في تصوير المراد وأقذع في السبّ والهجاء لما في الحذف من معنى العموم والاحتراس.
ولو قال (أجرّتني) فصرّح بذكر المفعول به لم يقع في النفس هذا الموقع وربما سبق إلى ذهن السامع أن العيب فيه لضعف آلته البيانية ومقدرته الشعرية مما قد يقدح في شاعريته.
إنما أجرى كلامه على الحذف البليغ ليشير من طرف خفي إلى أنّ السبب في عدم مدحه إياهم هم أنفسهم إذ بلغ بهم الحال في الذل والضعف والهوان حدّا يعجز معه كل الشعراء عن الكلام
فلو أنّ قَوْمِي أَنْطقَتنِي رِماحُهُم!
شَطْرُ بيت للشاعر العربيّ الأبي الماجد عمرو بن معد يكرب الزبيدي (ت21هـ) كان فارسا شجاعا كما كان خطيبا مِصْقَعا وشاعرا عبقريا عظيما وهو معدود في طبقات فحول الشعراء ومن المخضرمين المُعمّرين فقد عاش مائة سنة أو يزيد.
أسلم وحسن إسلامه وشهد العديد من المعارك وشارك بسيفه في كثير من الفتوح على عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأبلى فيها بلاء حسنا.ولم يكن الشعر في حياة العرب الأوائل ضربا من الترف واللهو واللعب بل كان الشاعر لسان حال قبيلته معنيا بأمرها مشغولا بهمومها مهتما بقضاياها يفتخر بعزها ويعتز بمجدها ويباهي بقوة بأسها وامتداد سلطانها وتؤرقه مصائبها وتفزعه مآسيها.
وإذا كان الشاعر في القديم هو لسان حال القبيلة وصوتها الذي تتكلم به فإن الشاعر في كل عصر هو لسان حال الأمة بأسرها يقوى بقوتها ويضعف بضعفها وها هو شاعرنا يبدع قصيدة على نغم الطويل ختمها بهذا البيت العظيم:
فَلَو أنّ قَوْمِي أَنْطقَتنِي رِماحُهُم** نَطَقْتُ ولكنّ الرّماحَ أَجَرّتِ
طارد ذاكرتي هذا البيت من الشعر حينا من الزمان ودعاني للكتابة عنه وأنا أجول بفكري في أحوال الأمّة المكلومة في طول البلاد وعَرضها وقد انتهى بها الحال إلى هذا الحدّ من الضغف والعجز والهوان والصّغَار.
يبدو أن الشاعر قد ضاق ذرعا بقومه فلم يمدحهم بالفروسية والشجاعة لكنه يقول إنّ قومه خذلوه في المعارك ولم يبلوا في واحدة منها بلاء حسنا يستحقون عليه المدح والثناء.
وقوله (ولكنّ الرماح أجرّتِ) عبارة بليغة في تصوير المعنى وقد بنى كلامه هنا على إيجاز الحذف أعني حذف المفعول به وأصل الكلام على ما يقتضيه الظاهر أن يقول (ولكنّ الرماح أَجَرّتْنِي) من جرّ لسان الفصيل -ولد الناقة- أي شقه وخزمه حتى يمتنع عن الرضاع عَنْوة.
والمعنى أنّ قومه هؤلاء ليس فيهم فرسان ولا رماح أصلا وأن رِماحهم أمسكت لسانه فأقعدته عن قول الشعر كما يٌشق لسان الفصيل فيمتنع عن الرضاع من أمه وفي التعبير بهذه الصورة كناية بليغة عن ضعف قومه وهوانهم في الحرب والنزال ومقارعة الخطوب.
وبناء لغة الشعر على تنزيل الفعل المتعدي منزلة الفعل اللازم فقال (أجرّتِ) ولم يقل أجرّتني وهو أقوى في المعنى وأبلغ في تصوير المراد وأقذع في السبّ والهجاء لما في الحذف من معنى العموم والاحتراس.
ولو قال (أجرّتني) فصرّح بذكر المفعول به لم يقع في النفس هذا الموقع وربما سبق إلى ذهن السامع أن العيب فيه لضعف آلته البيانية ومقدرته الشعرية مما قد يقدح في شاعريته.
إنما أجرى كلامه على الحذف البليغ ليشير من طرف خفي إلى أنّ السبب في عدم مدحه إياهم هم أنفسهم إذ بلغ بهم الحال في الذل والضعف والهوان حدّا يعجز معه كل الشعراء عن الكلام
-----------------------------------------------------------