
خزانة الأديب :
سبَقَ أن أشار الخطّابي إلى أنّ الكلام يقوم على ثلاثية اللفظ والمعنى والنظْم، وأنّ التفاوت والتمايز بين طبقات الكلام يتأتّى من هذه الجهات المذكورة، وبقدر الزلل فيها يكون النقص، وبقدر الإجادة والتوفيق يبلغ البيان ذِرْوة الفصاحة، ويرتقي إلى أعلى طبقات البلاغة.
كما ذهب الخطّابي إلى أن (عمود البلاغة) أي الأصل الذي تقوم به هو الاهتداء إلى التعبير باللفظ السديد الأخصّ الأشكل بمواضع الكلام، والذي لا يستقيم إلا به وإذا أبدلت به غيره، وأزلته عن مكانه، اختلّ المعنى، وفسد المراد، وذهب رونق الكلام، وسقطت بلاغته.
وفي هذا السياق يتعرّض الخطّابي لكثير من الألفاظ اللغوية المتقاربة في
المعنى والدلالة، والتي يحسب أكثر الناس أنها متساوية في الإبانة والغرَض.
كـ (الحمد والشكر) و (البخل والشحّ) و (النعت والصفة) و (قعد وجلس) و (وبلى ونعم) و (عن وفي) و (ذاك وذلك) وغيرها من الألفاظ المشتركة في أصل المعنى وهي كثيرة في اللغة، وتنزيل هذه الألفاظ والحروف في موقعها المناسب، علم دقيق يذهل عنه أكثر الناس، ويغفُلون عن مواضعه.
وتأويل الآية الكريمة مع حرف (عن) هم الذين ينشغلون عن الصلاة، ويؤخرونها عمْدا عن مواقيتها المشروعة، حتى يخرج وقتها، ومع حرف (في) يكون المعنى الذي لا يدري عن كم ينصرف من صلاته عن شفع أو عن وَتْر؟
وفي الجواب عن السؤال يجري الاستعمال بـ (نَعَمْ وبلى) وبينهما فرق هائل؛ لأنّ (بلى) جواب في الاستفهام المنفيّ، و (نعم) جواب في الاستفهام المثبت، كقوله تعالى (ألسْت بربكم قالوا بلى) ولو قيل في الجواب هنا (نعم) لفسد المعنى، وتحوّل الكلام عن المقصود من إقرار الإيمان والتوحيد، إلى إقرار الكفر والعصيان.
والخَطّابيّ بهذا البحث الدقيق لا يذهب مذهب القائلين بالترادف، بل يخالفهم؛ لأنّ كل لفظ له خصوصيته، وإن كان الاشتراك قائما في أصل المعنى.
فكان القرآن معجزا من هذا الوجه، أي من جهة وضع الألفاظ وتنزيلها في منازلها الحقيقة بها؛ حتى يستقيم المعنى، ويبلغ البيان أعلى مراتب البلاغة التي يعجز عنها البشر؛ لقصورهم وذُهولهم عن مواضع الكلام ودقائق الألفاظ، مما قد يتعذّر معه استمرار الفصاحة في كلامهم كاستمرارها في القرآن الكريم.
كـ (الحمد والشكر) و (البخل والشحّ) و (النعت والصفة) و (قعد وجلس) و (وبلى ونعم) و (عن وفي) و (ذاك وذلك) وغيرها من الألفاظ المشتركة في أصل المعنى وهي كثيرة في اللغة، وتنزيل هذه الألفاظ والحروف في موقعها المناسب، علم دقيق يذهل عنه أكثر الناس، ويغفُلون عن مواضعه.
ومن الفروق الدقيقة في مواقع الحروف، التعبير بـ (في وعن) كقوله تعالى (الذين هم عن صلاتهم ساهون)، ولو قيل: (في) لدخَل الجميع تحت العقاب والتهديد الذي توعّدت به السورة الكريمة في قوله (ويل للمصلّين).
تفصيل ذلك أنّ الحمد يقع في مطلق الثناء، والشكر لا يكون إلا على الجزاء، وأنّ الحمد يكون قولا كما يكون فعلا، كقوله تعالى (اعملوا آل داوود شكرا)، والحمد كذلك يكون في المحمود والمكروه، بينما الشكر لا يكون إلا في المحبوب، كما أنّ الشحّ أشدّ من البخل؛ لقوله تعالى (ومن يُوق شحّ نفسه فأولئك هم المُفلحون).
وتأويل الآية الكريمة مع حرف (عن) هم الذين ينشغلون عن الصلاة، ويؤخرونها عمْدا عن مواقيتها المشروعة، حتى يخرج وقتها، ومع حرف (في) يكون المعنى الذي لا يدري عن كم ينصرف من صلاته عن شفع أو عن وَتْر؟
وفي الجواب عن السؤال يجري الاستعمال بـ (نَعَمْ وبلى) وبينهما فرق هائل؛ لأنّ (بلى) جواب في الاستفهام المنفيّ، و (نعم) جواب في الاستفهام المثبت، كقوله تعالى (ألسْت بربكم قالوا بلى) ولو قيل في الجواب هنا (نعم) لفسد المعنى، وتحوّل الكلام عن المقصود من إقرار الإيمان والتوحيد، إلى إقرار الكفر والعصيان.
والخَطّابيّ بهذا البحث الدقيق لا يذهب مذهب القائلين بالترادف، بل يخالفهم؛ لأنّ كل لفظ له خصوصيته، وإن كان الاشتراك قائما في أصل المعنى.
فكان القرآن معجزا من هذا الوجه، أي من جهة وضع الألفاظ وتنزيلها في منازلها الحقيقة بها؛ حتى يستقيم المعنى، ويبلغ البيان أعلى مراتب البلاغة التي يعجز عنها البشر؛ لقصورهم وذُهولهم عن مواضع الكلام ودقائق الألفاظ، مما قد يتعذّر معه استمرار الفصاحة في كلامهم كاستمرارها في القرآن الكريم.