خزانة الأديب :
(وقفات سلوكية في شهر رمضان المبارك ) الشيخ وائل عبد المطلب : التغافل .
إن الناظر في أحوال بعض الناس اليوم يجدهم يضخمون ويدققون في صغائر الأمور وتوافهها ويعطونها أكبر من حجمها ومستواها ويجعلونها مشاكل كبيرة وويقفون عند كل صغيرة وكبيرة ويتبعون كل شاردة وواردة ويلتمسون مواطن الزلات والعثرات، وكما يقولون يجعلون من الحبة قبة ومن القبة مزارا ونسى هؤلاء أن الخطأ من طبيعة الإنسان وأنه مهما بلغ أعلى درجات التقوى والصلاح فلن يخلو من خطأ أو نقص أو عيب فيه؛ فالكمال لله سبحانه وتعالى وحده وقد قرر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذي، وإذا كان الأمر كذلك فحري بنا أن نتغافل عن أخطاء وعيوب بعضنا البعض إذا لم يترتب عليها مفسدة، وأن يقبل الأخ أخاه بعيبه الذي هو فيه، وأن يغض الطرف ويتغافل عما لا يعجبه فيه من صفات أو طبائع، فإن ذلك من مكارم الأخلاق وسبيل للعافية كما قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: "العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل".
والتغافل هو: تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرمًا وترفعًا عن سفاسف الأمور وهو من شيم الكرام كما قال سفيان: "ما زال التغافل من فعل الكرام". بل التغافل من أخلاق السادة كما قال أبو تمام: وليس الغبي بسيد في قومه..إنما سيد قومه المتغابي.
ومع طول الصحبة وصدق المودة تشتد الحاجة للتغافل روى البخاري فى صحيحه من حديث أنس- رضى الله عنه- أنه قال: "خَدَمْتُهُ - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - في السفر والحضر ما قال لي لشيء صنعته: لم صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه لم تصنع هذا هكذا". وفى حديث أم زرع قالت إحدى النساء واصفة زوجها مادحة إياه على صنيعه معها: "زوجى إن دخل فَهِد وإن خرج أَسِد، ولا يسأل عما عهد" رواه البخاري، قال بعض العلماء فى تفسير (فَهِدَ): إنها تشبهه بالفهد؛ إذ أن الفهد حيوان شديد التغافل فهي تصفه بأنه يتغافل عن عيوبها وزلاتها مع معرفته بتلك العيوب كرما منه.
إنك إن تغافلت عن زلة أو هفوة رأيتها أو خطأ وقعت عليه لا يعني الغباء والسذاجة والضعف بل يعني الفطنة والعقل والحكمة فالتغافل عن الهفوات وإقالة العثرات وستر القبيح وإظهار الجميل من شيم الأكياس العقلاء كما قال الإمام الشافعي: "الكيس العاقل هو الفطن المتغافل.