خزانة الأديب
إن الناظر في أحوال الناس اليوم يجد ظاهرة سيئة سادت وارتبطت بهذا الشهر الكريم وهي العصبية الزائدة والغضب والنرفزة والانفعال خلال ساعات الصيام وخاصة في الفترة التي تسبق الإفطار وترى مظاهر ذلك في الأماكن العامة وفي مواقع العمل وفي وسائل النقل العامة وفي حركة المرور وفي الشوارع وفي الأسواق ولا يمر يوم في رمضان دون وقوع مشادات كلامية وملاسنات تنتهي بالاشتباك بالأيدي والذهاب في بعض الأحيان إلى مراكز الشرطة ولأسباب تافهة، ويرجع أصحاب هذا الغضب المبالغ فيه إلى الصيام.
ولو كان الصيام يؤدي إلى ذلك لما كتبه الله علينا فرمضان شهر لتهدئة النفوس والابتعاد عن العصبية والانفعال فالصائم تهدأ نفسه ويسكن قلبه فيسيطر على مشاعره فلا يغضب ويثور لأتفه الأسباب بل يملك نفسه بالحلم والصفح متأثرا بصيامه فيعفو عن الزلات ويقابل الإساءة بالإحسان فلا يرد على من سبه ولا يستفز فينتقم لنفسه مع قدرته على رد الإيذاء بمثله لأن شعاره "إني صائم" أي : لا أستطيع أن أرد عليك لأني صائم وليس على سبيل الجبن والخوف والضعف ولكن طاعة لله واتباعاً لرسوله، وطلبا للأجروالثواب .
فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الصيام جنة من النار فمن أصبح صائما فلا يجهل يومئذ وإن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه وليقل إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" رواه النسائي.
ليس منا إلا وقد تعرض لموقف يثير غضبه وانفعاله بطريقة أو بأخرى لكن العاقل من يملك نفسه ساعة الغضب :
فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" متفق عليه.
وهذا الكلام يعني : ليس القوي في الحقيقة الذي يغلب الناس إذا صارعهم وإنما الشديد الذي يصرع غضبه ؛ أي: إذا غضب، غلَب غضبه؛ فكم من أسرة هدمت بسبب الغضب، وكم من أرحام وصداقات قطعت بسبب الغضب وكم من موبقات ارتكبت بسبب الغضب..
كيف نداوي الغضب ؟
وقد أرشدنا النبي إلى الدواء الذي نواجه به الغضب ومنه عن سلمان بن صرد رضي الله عنه قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم وأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمر وجهه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم“ رواه البخاري.------------------------------------------------
(وقفات سلوكية في شهر رمضان المبارك ) الشيخ وائل عبد المطلب : اللهم إني صائم! .