الأستاذ عثمان جمعة يكتب : عودة الجلباب الأبيض

اا عودة الجلباب الأبيض اا

بقلم الأستاذ : عثمان جمعة

أعلم أن فؤادك متيم بأشواق الرجوع إليه تصبو بحلمك أطياف السجود وأنوار الوضوء تنتظر فى شغف انقضاء حاجة الدنيا لتستعيد حاجات الآخرة .

وعلى قارعة الطريق وأمامك الصلوات والركعات وخلفك جحافل الشياطين تودعك فليس لها سلطان عليك حينئذ فاعلم أن قارعة الطريق تحدق ببصرها نحوك فمصيرك مصير خطواتك عبر الطريق ؛ فليس لك خيار سوى أن تذعن لهذه الشياطين وتلوح لهم برجوعك خلف ظهرك ململما جلبابك الأبيض عائدا معهم ، أو تستجمع قواك وذاكرة المروءة ورجاحة العقل وتستمد من جلبابك قوة العزم لأن تستكمل خطواتك نحو أنوار الحياة الباقية .

أعلم أن عثرات ماضيك تؤرق جنبات فؤادك المجروح وتبعث فى نفسك غمامة اليأس والانبطاح أمام أمواج وهمية من القنوط . لا تلق لها بالك المشتاق إلى الرجوع نحو قارعة الطريق أمام سجدات الحياة الأبدية .

أعلم أن شعرك الأبيض يضن عليك بماض الشباب وذكريات المروج والورود وشطآن السعادة ، ويقاتلك بكهولتك الضاربة فى أوصالك يستجمع فيك أيام التسامر وضحكات الهيام بين لذات الحياة الفانية .

أما والله ليخدعنك بماض بغيض لجلبابك الأبيض المتطهر الذى وددت بعكازك السير به نحو الرجوع إلى الطريق الأقوم الذى يصل بك إلى أبدية الحياة المنعمة .

أعلم طول انتظارك الآن أمام تلك المآذن العالية وأن نظراتك تبعثرت أمام أنوار الطريق وأعلم أنك أسكنتها الأرض تذللا وابتل بدمعاتك جلبابك الأبيض واخضلت لحيتك بماء طهور من ينابيع الندم .

لا يعجزنك حديث دنياك الماضية فكم طال استماعك لها أيام عمرك وصممت أذنيك عمن سواها فعدت اليوم تبحث عن ملاذ آمن فالزم غرس جلبابك الأبيض ولا تذهب بفؤادك نحو جموح ماضيك فتقعد مقعد النادمين المدحورين .

تقف الآن بين عتبات الصعود على مدارج السالكين نحو الحقائق الربانية تخطو بعينيك المحدقتين ناحية الجموع الغفيرة التى تشدك بأبصارها تشفق عليك لكهولتك ويتسابقون لنيل أنوار جلبابك الأبيض يتكسبون أرزاقهم الأبدية من كهولتك وعكازك المعلق على يدين متهالكتين من صروف السنين الماضية .

أعلم أنا حالك بين أيديهم تكاد تقفز من بينهم وتصرخ فيهم متحديا كهولتك وعكازك ألا اتركونى أحبو على الدرجات نحو العلى ألامس الأرض بجلبابى وصدرى أمسح فيها ماض بغيض يؤرقنى ، دعونى وعكازى ومدارج الصلوات أربو على عتباتها وحدى لا تسلبوا من كهولتى غيث الرجوع إلى مقامات الصالحين .

الآن وقد استقام فؤادك بين جنبات الصلوات والركعات تستشعر برودة الأجواء حولك ونقاوة الوجوه وتقاتلك الذكريات تصدك عن نور السماء تجذبك بقوة لسفح ماضيك . أعلم أنك تصبر وما صبرك إلا عذاب تشتريه فى دنياك الفانية لتبتاع به خلود النعيم فامض فلست مخلدا ولا يعجزنك ماض قد ارتضاك من قبل فى دنيا تفنى بفناء عالمك المفتون .

ومتى وقفت بركن من أركان هذا المكان هالتك مشاهد قومك وكأنهم كطيف النسيم بين سحب السماء المعلقة على صلواتك تجدهم يسكنون جبينهم سفح أرض تظللها الظلال الواردة من جنان الحياة الأبدية ويشع من أبصارهم أنوار جلبابك الأبيض يضئ لك مكانك السرمدى الذى ستؤوى إليه وتستوى معهم وتسد معهم خلل الفراق وتوحد ساقيك بساقيهم ولسانك بلسانهم وقدمك بأقدامهم ونظراتك نظراتهم وفؤادك فؤادهم
وإمامك هو إمامهم ألا إنك الآن وصلت مكانك الأمثل فاستقم .

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Smartwatch

Random Products