خاطرة أدبية : ( يانفس ) الجزء الأول



بقلم / الشاعر العربي (عثمان جمعة)

يا نفس
يا نفس تلك الصحارى والبيداء ذات الرمال اليابسة الملتهبة تشعرين شدة حرها وطول عذابها تستنشقين فيها سعير الشمس ولهيب الشرر وتستغيثين منها ظل فتيل لا تجده أمام عينيك الغافلتين عن سبل الظلال الموردة والمياه الصافية والهواء العليل فيا طول بقاءك بتلك الصحراء لو أغفلت فؤادك وأكممت عقلك وسكرت عينيك عن بساط الحق السحرى الذى يبعث لك سبيل نجاة فيه وقع الخلف عينيك تستعميك عن نوره الباسط ربوع الحياة الأبدية .
أجل يا نفس فالبيد تشتعل بنار الغفلة وسعير التكبر والجحود لكنها وسط لفحتها تبعث بقبس من نسيم المروج متعطربعبير المتسامرين فى ضوء النجوم التى تضئ لك مشاعل النور بين نار الظلمات القاتمة .
أجل يا نفس قد حقت لهذه البيد أن تستعر ويزداد حريقها وتستنفر لظى جحيم عالم يفنى بفناء هذه البيداء الفانية حق على رب العباد أن يأذن لها أن تستريح من لهب الجحود المستعر فى فؤاد طفح عريض سار معوج الجنان أغفل عن خسران حصوات الرمال المضلة التى تفضى به لمآلات الندم والخنوع تحت قباب الجحيم .
بلى يا نفس وقد شمرت ساعديك وحدقت بصرك نحو الظلال والورود المتمثلة أمام عينيك فى بحر أحلام مضلة أوقعتك فى البيداء الملتهبة بالشرور والآثام فارجعى وردِّ بصرك نحو ذاك القبس المضئ ربوع الكون بين النجوم والكواكب التى تشعل لك سبل الحياة المنعمة التى لا انقضاء لها ولا نهاية .
بلى يا نفس قد حق للجبل الأشم أن يبسط ذراعيه طوعا لمالكه ويقتل نفسه إربا كذرات الرياح المبعثرة فى أفلاك كون منقض طوعا لمالكه وحق لليل البهيم أن ينكب جاثما فوق بيداء ونيران الجحود والتكبر بين الوحوش التى أرهفت نصل سيوفها يوما لكنها خضعت لمالكها وما عادت ترفع أسيافها التى كسرت تبعا لسيدها .
كلا يانفس ليست تلك البحار سهل مخاضها بين أمواج عاتية تلقى بك أسفل الحياة القابعة بين الوحوش الكاسرة أو تحدفك فى شطآن ظل ممدود بأشواك كأقران الثيران لا تستقيم لك أرض بها ولاتهنأين بها بخراجها الملتهب بنار الرياء والنفاق .
بلى يا نفس والله ليستوى سفح الجبل الأشم بقامته فطالما يصل الهواء العليل لسفحه ما يصل لقامته ويصل إليها عبير نور الحياة القدسية ونسيم الكتاب المورد بالرياض الخالدة والمروج الفاتنة فتستوى الزفرات والشهقات بين سفح الجبال وقامتها ويجاهز الصوف بسفحه حرير القامة وتضاهى بها بسمات القمم بنور أسنان ورطب اليراع بسفحه .
يا نفس !! بلى إن الرياحين تبعثرت بهن رمال أحلام الجنان الموردة بحبال السحب الزاكية عبيرها وتعثرت بهن أقدام ذرات الخيال الوامضة بين العيون الساهرة ليل التسامر بين الظلال الوافرة فروعها تدلى على التلال وقمم الجبل الأشم .
أكتمى يا نفس أمرك بين طيات الظلال ونسمات أحلام ضيقة المدى وهدير ماء مجدول فى ربوع الكبرياء والعظمة والأنفة وعبير جموحك الضارب نحو الهبوط بأدراج سحب مذيلة بالرياء والخوار.
أكتمى تلك الأمانى بين أشجار يابسة الظلال خاوية الجذوع مقفهرة الوفاض تشربت أوصالها ماء زلالا من أنهار الجهالة والضلالة والسقامة والسآمة .
يا نفس ما فرار عينيك إلى الحلم إلا وهم التكبر والجحود من الحقيقة المطلقة القدسية التى تضجرت منها عيناك وتأرجحت حدقاتها بين تلال أحلام من المروج المزخرفة بالظلال المذللة على بيد ولهفاء سقر.
بل اكتمى ذاك العبير المذلل بمسك أحلامك بدمعات جفنيك المقعرتين اللتين صارتا ينابيع ماء طهر للحسرة والندم تجدول عبره أنات ثكلى فقدن ماض تليد وذكريات تبعثرت فيها سبله وسط بيداء هاوية .
أيتها النفس الجامحة نحو الهبوط وترى بأعينها مدارج النار الخالدة ألا تتمسكين بدخانها لتعلين فوق السحاب وتنجين من أسافلها وتهربين بجموحك نحو النور والظلال .
أيتها النفس المترنحة على أفرع التمرد على سنن الحياة الفانية أنت فيها وإن جنحت فى بقاعها رغبا فى مجد زائف يشدونه طفح عريض من الحالمين بدار خلد فى الحياة الذاهبة .
أيتها النفس مالك والاغترار بقيمة الكبرياء والشموخ زاد حده فعلا بجموحك عناء السماء وتأرجحت قدماك فوق أعناق الحقيقة المطلقة بفناء هذا الشموخ كرها .
أيتها النفس القابعة خلف ظلال التكبر فوق جبال الأنفة والغرور تحت سحابة العصيان ماذا دهاك من خَبَل وسفه أبَـلَغت يوما قمم السماء العالية وأمسكت بيديك العظمتين كونك المكنون فيه أسرار الحياة .
بلى يا نفس لا زلت فيها تنعمين بأنوار خالق الكون البهيم ورازق الخلق والخلقة والناس أجمعين .
بلى يا نفس ما زال ضعفك يؤلم كيان ذاك الإنسان الذى صنعت منه متمردا متجحدا بين الخلائق ما زال صمتك يؤنس الطفل الرضيع ألا يبك خشية جبروت شموخ عينيك المحدقة بالعلو والكبرياء نحو البرئ فى مهده .
بلى يانفس أتعبته بين الجبال الراسخة بين المروج الموردة بين التلال التليدة بين أنهار الحياة .
بلى يا نفس قد انقضى الأجل وأدبر الأمل وسعى من سعى ودبرت ما دبرت وكُتبت لك الحصوات والغفوات وسطرت نسماتك العليلة بالتكاسل والغرور .

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Smartwatch

Random Products