من حديث السيرة محضر سرقة علمية في قسم " شرطة الخليفة "
~~~~~~~~~~~~~~~~~
كان ذلك في ستينيات القرن الماضي. ، وما أعجب ما كان ؛ إذ طلعت علينا
إحدى الصحف - وأحسبها صحيفة " المساء " إن صدقتني الذاكرة - بنبأ لا
كالأنباء ، ومقال اغترق صفحتها الأخيرة كاملة ، وفيه إعلان عن سرقة علمية
موثقة بصور وأسانيد لاتقبل جدلا ولا مماحكة . أما مسرح أحداثها فأبهاء
الجامعة وعرصات دار العلوم على التعيين. وأما بطلها فأستاذ التحق بأحد
أقسام الكلية من أمد ليس بالبعيد ، وكان من قبل ذلك موظفا بدارالكتب
المصرية في عهدها الذهبي أمينا للجنة النشر ، يوم كانت اللجنة حفية بتراث
الأمة ، تنشره في أبهى حُلّة وأصح صورة. بيد أن عمل اللجنة قد توقف في
أعقاب الحدث الكبير الذي شهدته البلاد في يوليو عام ١٩٥٢ ، فاحتاز أمين
اللجنة جميع ما استُحْفِظَ عليه من مخطوطات معدة للنشر ، ومضى به إلى بيته
، ومن بينها ديوان لشاعر فاطمي ، نجز تحقيقه على يد محقق هندي ( أو
باكستاني ) معروف .
وحين أزفت آزفة الترقية لم يجد الأستاذ بأسا في أن يستخرج الديوان من خزانته وينشره على الناس باسمه على أنه كَدّ عقله ونَتيج ُكدحه ، فنال به ما أراد .
ثم إن صاحبنا استخفى بفعلته حتي شاء الله أن يكشف عنه ستره ؛ إذ جاء المحقق الأصيل إلى مصر في زيارة ، وكان قد استبطأ نشر كتابه في مصر واستيأس منها ، فعهد به من قبل إلى دار نشر بيروتية ، فأخرجوه له على ما يحب ويتمنى. ولما علم بعد وصوله أن محققا غيره قد نهض بالعمل ، حفزه الفضول إلى اقتنائه ، وحين اطلع عليه قيل له : أهكذا ديوانك ؟ صرخ من أعماقه قائلا : كأنه هو. وانطلق كالمجنون ليبلغ عن السرقة ، فوجد نفسه في قسم الخليفة ( وهو القسم الذي يتبعه محل إقامة السارق في شارع سوق السلاح ).
وراح يخاطب ضابط الشرطة في حدة هي أدنى إلى العويل ولكن بلسان عربي خالطته لوثة العجمة ؛ صارخا شاكيا ما وقع له ، والضابط لا يفهم عنه ، ولعل المفاجأة واللغة العربية المعربة التي تصك مسامعه قد أحوجته إلى ترجمان ، ولأيًا ما عُرِفَ الأمر ،
فلما سكت عن المسكين الغضب أخبره الضابط بأن محضر القسم لن يعيد له حقه ، وبأن قسم الشرطة لا اختصاص له إلا بسرقة المَحافظ والغسيل المنشور على أسطح المنازل وفي شرفاتها أوما كان على هذه الشاكلة. وأما الأستاذ فانقلب ظافرا بالترقية وما مسه السوء ؛ إذ إن قرار الترقية قد مرت عليه المدة الزمنية الكافية لتحصينه . وأشهد أني ما لمحت أثرا لحمرة الخجل على وجهه. وصدق القائل :
إِنْ يغدروا أويفجروا أو يسرقوا أو يقتلوا
يغدوا عليك مُرَجَّلينَ كأنهمْ لم يفعلوا
~~~~~~~~~~~~~~~~~

وحين أزفت آزفة الترقية لم يجد الأستاذ بأسا في أن يستخرج الديوان من خزانته وينشره على الناس باسمه على أنه كَدّ عقله ونَتيج ُكدحه ، فنال به ما أراد .
ثم إن صاحبنا استخفى بفعلته حتي شاء الله أن يكشف عنه ستره ؛ إذ جاء المحقق الأصيل إلى مصر في زيارة ، وكان قد استبطأ نشر كتابه في مصر واستيأس منها ، فعهد به من قبل إلى دار نشر بيروتية ، فأخرجوه له على ما يحب ويتمنى. ولما علم بعد وصوله أن محققا غيره قد نهض بالعمل ، حفزه الفضول إلى اقتنائه ، وحين اطلع عليه قيل له : أهكذا ديوانك ؟ صرخ من أعماقه قائلا : كأنه هو. وانطلق كالمجنون ليبلغ عن السرقة ، فوجد نفسه في قسم الخليفة ( وهو القسم الذي يتبعه محل إقامة السارق في شارع سوق السلاح ).
وراح يخاطب ضابط الشرطة في حدة هي أدنى إلى العويل ولكن بلسان عربي خالطته لوثة العجمة ؛ صارخا شاكيا ما وقع له ، والضابط لا يفهم عنه ، ولعل المفاجأة واللغة العربية المعربة التي تصك مسامعه قد أحوجته إلى ترجمان ، ولأيًا ما عُرِفَ الأمر ،
فلما سكت عن المسكين الغضب أخبره الضابط بأن محضر القسم لن يعيد له حقه ، وبأن قسم الشرطة لا اختصاص له إلا بسرقة المَحافظ والغسيل المنشور على أسطح المنازل وفي شرفاتها أوما كان على هذه الشاكلة. وأما الأستاذ فانقلب ظافرا بالترقية وما مسه السوء ؛ إذ إن قرار الترقية قد مرت عليه المدة الزمنية الكافية لتحصينه . وأشهد أني ما لمحت أثرا لحمرة الخجل على وجهه. وصدق القائل :
إِنْ يغدروا أويفجروا أو يسرقوا أو يقتلوا
يغدوا عليك مُرَجَّلينَ كأنهمْ لم يفعلوا
وأقول لقارئي العزيز : ابتسم ! فإن الداء قديم.