مسائل خلافية في النحو : مَسْأَلَة (اشتقاق لفظ اسْم)

خزانة الأديب : نقاشات نحوية .

الِاسْم مُشْتَقّ من السمو عندنَا، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: من الوسم، فالمحذوف عندنَا لامه، وَعِنْدهم فاؤه.

لنا فِيهِ ثَلَاثَة مسالك، الْمُعْتَمد مِنْهَا ان الْمَحْذُوف يعود فِي التصريف إِلَى مَوضِع اللَّام، فَكَانَ الْمَحْذُوف هُوَ اللَّام كالمحذوف من: ابْن.

وَالدَّلِيل على عوده إِلَى مَوضِع اللَّام انك تَقول: سميت، واسميت. وَفِي التصغير: سمي. وَفِي الْجمع: أَسمَاء وأسام، وَفِي فعيل مِنْهُ (سمي) ، أَي: اسْمك مثل اسْمه.
وَلَو كَانَ الْمَحْذُوف من اوله لعاد فِي التصريف إِلَى أَوله وَكَانَ يُقَال: اوسمت، ووسمت، ووسيم، ووسيم، واوسام.

وَهَذَا التصريف قَاطع على أَن الْمَحْذُوف هُوَ اللَّام.
فان قيل: هَذَا اثبات اللُّغَة بِالْقِيَاسِ، وَهِي لَا تثبت بِهِ، وَالثَّانِي ان عود الْمَحْذُوف إِلَى الْأَخير لَا يلْزم مِنْهُ ان يكون الْمَحْذُوف من الْأَخير، بل يجوز ان يكون مقلوبا. وَقد جَاءَ الْقلب كثيرا عَنْهُم، كَمَا قَالُوا: لهي ابوك. فأخروا الْعين إِلَى مَوضِع اللَّام وَقَالُوا: الجاه، واصله: الْوَجْه وَقَالُوا اينق واصله انوق.
وَقَالُوا قسى، واصله: قووس، وَقَالُوا فِي: الفوق. فقا والاصل: فَوق. وَإِذا كثر فِي كَلَامهم جَازَ ان يحمل مَا نَحن فِيهِ عَلَيْهِ.

وَالْجَوَاب:

أما الأول فَغير صَحِيح، فانا لَا نثبت اللُّغَة بِالْقِيَاسِ، بل يسْتَدلّ بِالظَّاهِرِ على الْخَفي، خُصُوصا فِي الِاشْتِقَاق، فان ثُبُوت الاصل وَالزَّائِد والمحذوف لَا طَرِيق لَهُ على التَّحْقِيق الا الِاشْتِقَاق، وَيدل عَلَيْهِ لفظ: ابْن، فانهم قَالُوا: بني، وَأَبْنَاء، وتبنيت، والبنوة علم ان الحذوف لامه.

وَأما دَعْوَى الْقلب فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ، فان الْقلب مُخَالف للْأَصْل، فَلَا يُصَار إِلَيْهِ مَا وجدت عَنهُ مندوحة، وَلَا ضَرُورَة هُنَا تَدْعُو إِلَى دَعْوَى الْقلب. وَيدل على ذَلِك ان الْقلب لَا يطرد هَذَا الاطراد، الا ترى أَن جَمِيع مَا ذكر من المقلوبات يجوز اخراجه على الأَصْل.

المسلك الثَّانِي:

انا اجمعنا على ان الْمَحْذُوف قد عوض عَنهُ فِي اوله فَوَجَبَ ان يكون الْمَحْذُوف فِي آخِره، كَمَا ذكرنَا فِي: ابْن. وانما قُلْنَا ذَلِك لوَجْهَيْنِ: احدهما: انا عرفنَا من طَريقَة الْعَرَب انهم إِذا حذفوا من الأول عوضوا اخيرا مثل: عدَّة وزنة. وَإِذا حذفوا من آخِره، عوضوا من أَوله مثل: ابْن. وَهنا قد عوضوا فِي اوله فَكَانَ الْمَحْذُوف من آخِره.
وَالثَّانِي: ان الْعِوَض مُخَالف للبدل، فبدل الشَّيْء يكون فِي مَوْضِعه، والعوض يكون فِي غير (مَوضِع) المعوض مِنْهُ فَلَو كَانَت الْهمزَة عوضا من الْوَاو فِي اوله لكَانَتْ بَدَلا من الْوَاو، وَلَا يجوز ذَلِك، إِذْ لَو كَانَت كَذَلِك لكَانَتْ همزَة مَقْطُوعَة، وَلما كَانَت الف وصل حكم بِأَنَّهَا عوض.

فَإِن قيل: التعويض فِي مَوضِع لَا يوثق بَان المعوض عَنهُ فِي غَيره، لَان الْغَرَض مِنْهُ تَكْمِيل الْكَلِمَة، وَأَيْنَ كملت حصل غَرَض التعويض، أَلا ترى أَن همزَة الْوَصْل فِي: اضْرِب وبابه، عوض من حَرَكَة أول الْكَلِمَة وَقد وَقعت فِي مَوضِع الْحَرَكَة.

فَالْجَوَاب:

ان التعويض - على مَا ذكرنَا - يغلب على الظَّن ان مَوْضِعه مُخَالف لموْضِع المعوض مِنْهُ، لما ذكرنَا من الْوَجْهَيْنِ. قَوْلهم: الْغَرَض تَكْمِيل الْكَلِمَة، لَيْسَ كَذَلِك، وانما الْغَرَض الْعُدُول عَن اصل إِلَى مَا هُوَ اخف مِنْهُ، والخفة تحصل بمخالفة الْموضع، فَأَما تعويضه فِي مَوضِع مَحْذُوف فَلَا تحصل مِنْهُ خفَّة، لَان الْحَرْف قد يثقل بموضعه، فَإِذا ازيل عَنهُ حصل التَّخْفِيف.

المسلك الثَّالِث:

ان اشتقاق الِاسْم من السمو مُطَابق للمعنى، فَكَانَ الْمَحْذُوف الْوَاو كَسَائِر الْمَوَاضِع، وَبَيَانه ان الِاسْم اُحْدُ اقسام الْكَلم، وَهُوَ اعلى من صَاحِبيهِ إِذْ كَانَ يخبر بِهِ وَعنهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك صَاحِبَاه، فقد سما عَلَيْهِمَا، ولان الِاسْم يُنَوّه بِالْمُسَمّى، وَيَرْفَعهُ للاذهان بعد خفائه، وَهُوَ معنى السمو.
فَإِن قيل:
هَذَا معَارض باشتقاقه من الوسم، فان الْمَعْنى صَحِيح، كَمَا ان الْمَعْنى فِيمَا ذكرتموه صَحِيح. فبماذا يثبت التَّرْجِيح قيل:
التَّرْجِيح مَعنا لوَجْهَيْنِ: احدهما: ان تَسْمِيَة هَذَا اللَّفْظ اسْما اصْطِلَاح من أرباب هَذِه الصِّنَاعَة وَقد ثَبت من صناعتهم علو هَذَا اللَّفْظ على الآخرين، وَمثل هَذَا لَا يُوجد فِي اشتقاقه من الوسم.
وَالثَّانِي: انه يتَخَرَّج بِمَا ذكرنَا من المسالك الْمُتَقَدّمَة.
أما حجتهم فقد قَالُوا: الِاسْم عَلامَة الْمُسَمّى، والعلامة تؤذن بانه من الوسم وَهِي الْعَلامَة، فَيجب أَن يكون مشتقا مِنْهَا.

وَالْجَوَاب عَنهُ مَا تقدم من الْأَوْجه الثَّلَاثَة.
على ان اتِّفَاق الاصلين فِي الْمَعْنى، وَهُوَ الْعَلامَة، لَا يُوجب ان يكون احدهما مشتقا من الآخر، أَلا ترى ان: دمثا، ودمثرا، سَوَاء فِي الْمَعْنى، وَلَيْسَ أَحدهمَا مشتقا من الآخر، وَكَذَلِكَ: سبط، وسبطر. وابعد من ذَلِك: الْأسد، وَاللَّيْث، بِمَعْنى وَاحِد، وَلَا يجمعهما الِاشْتِقَاق.
====================
الكتاب: مسائل خلافية في النحو
المؤلف: أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري البغدادي محب الدين (المتوفى: 616هـ)
المحقق: محمد خير الحلواني
الناشر: دار الشرق العربي - بيروت

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Smartwatch

Random Products